هل كان سعيدا، قبل أن يلتقبها؟
قد لا يستطيع تحديد إجابته على وجه الدّقة،لكنّه بالتّأكيد كان راضيّا بحياته على رغم رتابتها..يقضي ساعات يومه بين تلاميذه..يبذل أقصى جهده لتوصيل المعلومات إليهم، و يعود في المساء مرهقـا إلـى زوجته و أولاده..يكلّمهم قليلا أو لا يكلّمهم بتاتا..ينعــزل جانبا..يقرأ جريدة..يطالع كتابا..يتنقّل عبر التّليفزيون مـن محطّة إلى أخرى، و في الأخير يكوّم أمامه كتبه و أوراقه ، و يغرق في تحضير دروس اليوم التّالي..
محترم من طرف زملائه..يحبّه تلاميذه..يشهد له مسؤولوه بإخلاصه و التزامه..
كلّ هذا صار من معالم الرّتابة التي يحياها، قبل أن يلتقيها، أو بالتّحديد،قبل أن تلقيها الأقدار في طريقه الرّتيبة زميلة له.
فجأة،أحسّ أنّ دعوة ملحّة للتّمرّد على رتابته ، قد بدأت تتسربّ إلى مشاعره، و لم يعد يرضى أن تكون حياته مجرّد ساعات يقضيها بين تلاميذه،يبذل أقصى جهده لتوصيـل المعلومات إليهم،و يعود في المساء مرهقا إلى زوجته و أولاده..يكلّمهم قليلا أولا يكلّمهم،ثمّ ينعزل ليقرأ الجريدة أو يشاهد التّليفزيون، قبل أن يغرق في تحضير دروس اليوم التّالي..
لقد قرّر أن يستجيب لدعوة التّمرّد، فأيقض قلبه من سبات عميق و راح يعيد الحياة إلى مشاعر قد ماتت من أعوام.. ففي وقت قصير،عاد يقرض الشّعر وكان قد هجره من عهد ليس بالقريب، و رجع يترنّم بالأغاني و كان قد أعلن عليها الحرب ذات مناسبة... من قال أنّ الشّباب لا يعود يوما؟
هل صار سعيدا بعد أن التقاها؟
الآن يستطيع تحديد إجابته على وجه الدّقـة،فكلّ السّعـادة صارت تغمره بمجرّد نظرة من عينيها..بمجرّد بسمـة من ثغرها، و في المساء حين يعود مرهقا إلى زوجته و أولاده و يكلّمهم قليلا أو لا يكلّمهم ثمّ ينعزل جانبا، لم يعد يقــرأ الجريدة أو يشاهد التّليفزيون، أو حتّى يغرق في تحضيـر دروس اليوم التّالي، و إنّما صار يغرق في استحضـــار نظرتها و بسمتها ويسلّم نفسه إلى السّعادة التي صــارت تغمره..
فكّر أن يصارحها بالأمر،فخشي على مصير سعادته من ردّ غير متوقّع، فهي في مقتبل عمرها،وهو له زوجته وأولاده الذين يعود إليهم في المساء.لهذا فضّـل أن يبقـى سعيـدا بمجرّد نظرة وبسمة،على أن يخوض مغامرة غير مضمونة العواقب..إلاّ أنّ الذي لم يكن ينتظره قطّ ، هو أنّ الجرأة التي عدمها هو ملكتها هي ، وأنّ الذي لم يستطعه هو فعلته هي.. لم يقو على مصارحتها هو فصارحته هي..
و أعلمته أنّ الذي تفعله به نظرتها و بسمتها،تفعله بها هي أيضا نظرته و بسمته..
فقد التقيا إذن؟؟
كلاّ فلئن فعلا، صارحته بحبّ عنيف قد ملأها نحوه،فإنّها أخبرته كذلك، أنّها لغيره من قبل أن تلتقيه..
و ما هي فعلا إلاّ أيّاما، حتّى أوقعته أقداره،شاهدا على عقد قرانها على هذا الذي كانت له،ليعود هو كما كان إلى حياته الرّتيبة..يقضي ساعات يومه بين تلاميذه..يبذل أقصى جهده لتوصيل المعلومات إليهم و يعود في المساء مرهقـا إلـى زوجته و أولاده..يكلّمهم قليلا أو لا يكلّمهم، ثمّ ينعزل جانبا و يغرق في حزن عميق.