ستنجح "إسرائيل" في تحويل كل المسلمين إلى حماسيين!
الهدف المعلن للعدوان الإسرائيلي على غزة هو إسقاط حكومة حماس، وهناك الكثير من الأدلة التي تتضح من تحليل الأحداث أن بعض الحكام العرب شجعوا "إسرائيل" على تحقيق هذا الهدف نتيجة عدائهم للتيار الإسلامي.
لكن هل ستنجح "إسرائيل" في تحقيق أمل كل الذين تآمروا على التجربة الإسلامية في فلسطين؟!!.
الإجابة على هذا السؤال سوف تساعدنا كثيراً في توقع نتائج العدوان الإسرائيلي على غزة، وفي توقع نهاية المؤامرة التي اشتركت في صياغتها "إسرائيل" وأمريكا وعباس وبعض النظم العربية.
قراءة جديدة للتاريخ
الماديون ينظرون إلى ما يمتلكه كل طرف من أسلحة وإمكانيات وقدرات تدميرية، ويتوقعون النتائج طبقاً لذلك الحساب... لكن تلك الطريقة في التفكير تشير إلى خلل منهجي إستراتيجي، وإلى عدم القدرة على قراءة أحداث التاريخ الذي يؤكد أن القوى المادية وحدها لا يمكن أن تحسم النتائج.
هذا الخلل الإستراتيجي هو الذي أعمى بصيرة بعض الحكام العرب ودفعهم إلى مساندة "إسرائيل" في عدوانها أملاً في القضاء على حماس والتيار الإسلامي.
فمن المؤكد أن "إسرائيل" تمتلك ترسانة أسلحة لا تكفي فقط لتدمير غزة، ولكنها تكفي لتدمير العالم كله، وهناك تقارير تؤكد أن "إسرائيل" تمتلك ما يزيد على 200 قنبلة نووية، وأن الصواريخ التي تحمل هذه القنابل موجهة نحو العواصم العربية وجاهزة للانطلاق.
التفكير المادي المختل سوف يسرع بالوصول إلى نتيجة هي أن ميزان القوى يميل لصالح "إسرائيل"، وبالتالي فإنها سوف تعيد احتلال غزة وتسقط حكم حماس، وتعيد عباس وجماعته على ظهور الدبابات الإسرائيلية، تماماً كما فعلت الولايات المتحدة مع حامد كرزاي في أفغانستان، وكما استطاعت القوات الأمريكية أن تحتل العراق في أيام معدودة وتسقط تمثال صدام في مشهد يتم عرضه بشكل متكرر على شاشات التليفزيون.... وربما تهبط ليفني إلى سطح سفينة في ميناء غزة لتعلن أن المهمة قد انتهت كما فعل بوش من قبل!!.
لكن من رحمة الله بهذه الأمة أن الماديين لا يجيدون قراءة التاريخ، ولا يعرفون كيفية تحويله إلى عامل مهم في صياغة الإستراتيجيات، ولذلك تنقلب حساباتهم على رؤوسهم، ويجرون على نظمهم الخراب والهزائم، وهذا واضح جداً في التجربة الأمريكية في أفغانستان والعراق، وفي تجربة "إسرائيل" نفسها.
إنه دائماً مختل!!
لو قرأتم التاريخ جيداً لعلمتم أن ميزان القوى كان مختلاً طوال التاريخ، ويميل دائماً لصالح الكفار ضد المسلمين.
لو درسنا التاريخ لعلمنا أن المسلمين كانوا دائماً بفضل الله ورحمته الأقل عدداً وعدة وعتاداً من غزوة بدر حتى العدوان الإسرائيلي على غزة، و لم يشهد التاريخ معركة واحدة كان المسلمون فيها يتفوقون مادياً على الكفار... وأنا أتحدى أي مؤرخ يثبت عدم صحة هذه النظرية.
الأكثر من ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد عاقب المسلمين لأنهم اغتروا بقوتهم يوماً، وقالوا لن نهزم اليوم من قلة، فتركهم الله لأنفسهم، وكادت أن تحل بهم الهزيمة لولا أن تداركهم الله برحمته، فأعادوا تجميع صفوفهم بعد أن شعروا بضعفهم وحاجتهم إلى نصر الله.
التاريخ الإسلامي كله يتحدى التفكير المادي والحسابات التي تقوم على موازين القوى... لكن مشكلة الماديين أنهم لا يقرأون، ولا يفتحون وجدانهم للحقيقة.
لقد أراد الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة أن تنتصر عندما تستعين به وتلوذ بقوته، وتدرك أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن أهم ما تمتلكه من عناصر القوة الإيمان بالله. هذا الإيمان هو الذي يشحذ العزائم، ويقوي الهمم، ويزيد القدرة على الصبر والثبات، ويملأ النفوس بالشجاعة والعزة والإباء.
لذلك فإن المسلمين لا ينهزمون... إنهم ينتصرون أو يستشهدون... إما النصر وإما الشهادة.
وأراد الله أيضاً أن تنتصر الأمة وهي لا تملك الكثير من أسباب القوة... وعدوها دائماً يتفوق عليها بالمقاييس المادية، ويمتلك من الأسلحة ما يثير الرعب، تماماً كما أراد الله لسيدنا داود أن يهزم جالوت ويقتله... إنه المجد والشرف الذي يناله الضعيف الذي يعتز بقوة الله حين ينتصر على الطغاة الذين تغرهم أسباب القوة المادية.
المسلمون لا ينتصرون بعدد ولا عدة.. إنهم ينتصرون بما هو أكبر من ذلك قوة الله العظيم حين يملأ الإيمان به والثقة بنصر عقولهم وقلوبهم.
لذلك تألمت كثيراً عندما شاهدت مراسلاً لإحدى القنوات الفضائية العربية يحاول أن يقدم صورة لقوة حماس تتمثل في حساب ما تمتلكه من صواريخ وجنود.
شعرت بالحاجة إلى أن نستغفر الله، فنحن ضعفاء إلا بقوته، ولا نغتر بما نملك من قوة.
ولم يقرأوا الواقع
وإذا كان الماديون قد فشلوا في قراءة التاريخ فإنهم لا يستطيعون أن يقرأوا الواقع، فهم لم يفهموا حماس، إنهم يعتقدون أنهم يتعاملون مع حزب سياسي كتلك الأحزاب التي تنهار عندما يموت زعيمها. لذلك فإن "إسرائيل" تحاول جاهدة أن تعرف معلومات عن أماكن إقامة قادة حماس. بهدف اغتيالهم، وربما تظن أن حماس سوف تنهار إذا تم اغتيال قادتها.
هؤلاء القادة ما تقدموا للقيادة إلا وهم يستعدون للشهادة، وهم يعرفون مصير أسلافهم. لكن من يقرأ التاريخ يعرف أن المشروعات الحضارية الكبرى تعمل دائماً إلى إعداد القادة، ولذلك عندما يموت قائد يقوم قائد جديد ليكمل المعركة الممتدة في الزمان والمكان. والله سبحانه وتعالى يعطي المسلمين القائد الذي يناسب طبيعة المرحلة ولكن بشرط أن يحسنوا التوكل على الله. لذلك لن تنهار حماس أو تنهزم إذا نجحت "إسرائيل" في اغتيال قادتها، فهناك رصيد من القادة الذين تم إعدادهم لتقديم التضحيات والتمسك بالثوابت والحقوق.
في ضوء تلك الحقيقة
لذلك فإننا ببصيرة المؤمنين وحكمة العلماء يمكن أن نرى النتائج النهائية لعدوان "إسرائيل" على غزة، وأهم تلك النتائج أن "إسرائيل" ستنجح في تحويل كل المسلمين إلى حماسيين.
وإذا نظرنا فقط إلى المظاهرات سوف نكتشف أن ملايين المسلمين من إندونيسيا إلى المغرب، وفي كل بلاد العالم قد تحولوا إلى حماسيين رداً على العدوان الإسرائيلي على غزة.
لكن هذه المظاهرات لا تصور الواقع الحقيقي فالغضب النبيل يشتعل في قلوب المسلمين، فهناك ملايين أخرى لم تتح لها الفرصة للخروج في المظاهرات... ولذلك أتوقع أن تصبح "إسرائيل" وأمريكا والنظم العرب في مواجهة مليار ونصف المليار من الحماسيين إذا استمر العدوان على غزة بضعة أيام أخرى.
النتيجة الثانية أن كراهية المسلمين سوف تتزايد ضد "إسرائيل" وأمريكا والنظم العربية، ولو أننا امتلكنا الفرصة لإجراء قياس حقيقي للرأي العام في هذه الأيام لاكتشفنا أن الأمة كلها مع حماس.
استمرار العدوان الإسرائيلي سيؤدي أيضاً إلى أن يقهر الناس خوفهم، فكفى بالموت واعظاً... والناس تشاهد على شاشات التليفزيون الشهداء الأبطال وهم يدافعون عن غزة، ويتحدون القوة العسكرية الإسرائيلية.
النتيجة الثالثة هي كشف حالة الجبن والضعف النفسي للجنود الإسرائيليين الذين يجيدون إلقاء القنابل من الطائرات على منازل الغزاويين، لكنهم لا يمتلكون الشجاعة على أن يحاربوا على الأرض... إنهم يحاربون من وراء الجدر... تلك هي طبيعتهم، وذلك شأن القتلة والسفاحين.
لذلك سوف يكون للعدوان الإسرائيلي على غزة نتائج تختلف عن تلك التي خططت لها "إسرائيل" وأمريكا وعباس والنظم العربية، فبدلاً من القضاء على حماس سيتحول المسلمون كلهم إلى حماسيين.
يقول الله سبحانه وتعالى: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
أ. د. سليمان صالح